د.رفعت شميس .
لعل ابسط تعريف للكوميديا هو فن الإضحاك ، إلا أن التعريف الأكاديمي لا يحتوي على كلمة فن وقد جاء في معجم المعاني ما معناه أن الكوميديا هي قصة أو رِوَايَة أَحْدَاثُهَا مُضْحِكَة ؛ وهي عرض لسلسة أحداث تبعث على الضحك . ويقترن لفظ كوميديا بعدة ألفاظ مثل: الهزل . العبث . المزاح . وللكوميديا أنواع من حيث العرض كالكوميديا المرئية على خشبة المسرح . والمرئية على الشاشة , والمسموعة عبر الإذاعة والتسجيلات الصوتية .. وقبل كل ذلك المكتوبة .
أما أنواع الكوميديا من حيث الأسلوب فهناك الكوميديا الهزلية التي لا تحمل فكرا ولا ثقافة ولا هدفا ولا غاية . أي أنها الضحك لأجل الضحك . إلا أنها قد تؤدي دورا ترفيهيا للترويح عن النفس وانتشالها من حالة الملل أو لإبعاد الذهن عن هموم ومشاكل الحياة اليومية على مبدأ ” اضحك وانس همومك ” .
وهناك الكوميديا التراجيدية وهي خليط مابين الملهاة والمأساة وتحتوي على مواقف ومفارقات تمس الحياة اليومية للإنسان وما فيها من تناقضات وتطرح قضايا اجتماعية متعددة كالموقف من العادات والتقاليد جيدها وفاسدها .
وهناك أيضا الكوميديا السوداء القريبة من الكوميديا التراجيدية إلا أنها تتصف بالجرأة في نقد الواقع السياسي وتحميل ذوي المناصب القيادية تبعات الحالة الاجتماعية المزرية لفئة كبيرة من الناس .
ولكن ماذا عن الكوميديا في الدراما السورية ؟!
أرى أن كلمة دراما تعني اقتطاع فصل حياتي من بيئة اجتماعية ما ومعاودة محاكاة هذا الفصل من خلال عرض تمثيلي لممثلين يرتدون اللباس ذاته للممثل عنهم ويحاكونهم في سلوكهم وأقوالهم ، سواء على خشبة المسرح أو في شاشة الفن السابع أو الشاشة الفضية ، وقد لا يكون العمل محاكاة للواقع إنما يمكن حدوثه وليس غريبا عن الواقع وبالتالي يتسم بالواقعية . ومن هذه الرؤيا اختار ما يتعلق بالأعمال التي قدمتها الشاشة الفضية السورية في محاولة مني لتسليط الضوء على الكوميديا كفن إبداعي تميزت به تلك الشاشة منذ ولادتها وحتى يومنا هذا .
لا يختلف اثنان من المتابعين للأعمال الدرامية التي قدمها التلفزيون العربي السوري على كون الكوميديا عنصرا أساس في انتشار وشهرة الدراما السورية فمنذ الستينات ثم السبعينات من القرن الماضي انبرت طائفة من الفنانين الأوائل برسم ألوان الإبداع الكوميدي فإذا نحن أمام مجموعة من الأعمال الخالدة التي شخصها وجسدها فنانون كبار لم يتخرجوا في معهد أو جامعة للفنون وإنما جمعتهم الموهبة وصاغتهم التجربة فأبدعوا ، من أمثال: دريد لحام ونهاد قلعي وناجي جبر ، ونجاح حفيظ ، وعمر حجو ، ورفيق سبيعي ، وياسين باقوش وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة لذكرهم أجمعين .. وشاهدنا الصورة الكوميدية في أعمال لا تزال عالقة في الذهن مثل حمام الهنا ، وصح النوم ، ومقالب غوار .
إن تلك الأعمال تندرج في إطار الكوميديا التراجيدية أكثر من أن تكون هزلية عابثة ترفيهية ، فقد نقلت لنا صورة الواقع المعاشي للبيئة الشامية وما فيها من مواقف ومفارقات . واتجهت نحو النقد الاجتماعي الخفيف الذي لا يخدش ولا يجرح .
وكانت جميع الشخصيات محبوبة قريبة إلى قلب المتلقي . ولا سيما شخصية غوار الطوشي في ” مقالب غوار ” فبالرغم من أن مقالبه منبوذة في العرف الأخلاقي والاجتماعي بسبب ما تلحقه من ضرر بالآخرين فقد كانت الشخصية وأعني غوار الطوشة من الشخصيات المحبوبة لدى الكبار والصغار على حد سواء .
وفي مسلسل وين الغلط بطولة دريد لحام وناجي جبر وياسين بقوش ومعهم عمر حجو ونبيل خزام وغيرهما تبرز الكوميديا السوداء من خلال الجرأة في طرح قضايا تمس المسؤول ( اللامسؤول ) وقضايا تتعلق بالفساد الإداري والمالي .
في الثمانينات والتسعينات يتألق ياسر العظمة في مرايا التي هي مجموعة من المواقف التي تعكس صور الواقع ومرايا بأجزائها المتعددة يمكن تصنيفها في نوع الكوميديا التراجيدية والسوداء على حد سواء . فهناك النقد الاجتماعي اللاسع والنقد السياسي الذي يطال فئات من المسؤولين ترى في المنصب امتيازا لا مسؤولية .
ثم كانت لوحات بقعة ضوء مع باسم ياخور وأيمن رضا وأمل عرفة وغيرهم ذات شعبية كبيرة إذ أنها لاقت استحسان الناس كونها تلامس الواقع وتفضح الممارسات الخاطئة وصور الفساد . وتكاد تكون لوحات بقعة ضوء هي الأقرب لمرايا .
وبين كل الأعمال الكوميدية التي ذكرناها لاشك هناك الكثير من الأعمال الأخرى التي لم نذكرها إلا أننا نتوقف عند العمل الابداعي الذي جذب المشاهدين وأعني ضيعة ضايعة حيث تألق كل من باسم ياخور ونضال سيجري وزهير رمضان ، وكان المسلسل صورة تتسم بالواقعية لقرية أم الطنافس التي هي خارج التغطية في ريف اللاذقية ، ويعرض العمل للمفارقات والمواقف الطريفة ، ونتوقف كذلك عند مسلسل عيلة خمس نجوم الذي يرتقي إلى ست نجوم ثم سبعة وثمانية ، وقد غلب الجانب الهزلي من خلال حركات الممثلين غير المنطقية واللامبررة إلا لاستضحاك فئة من الناس ترى في الهزلية نوعا من الكوميدية الملهاة ، وبرز في هذا المسلسل شخصيات لها حضورها الابداعي في كثير من الاعمال مثل سامية الجزائري وجيانا عيد وحسام تحسين بك وأيمن رضا وغيرهم ، ويلفت الانتباه مسلسل خربة الذي يصور واقعا قرويا في ريف السويداء ، وقد أجاد في بطولته الفنان دريد لحام الذي لم يجد صعوبة في نطق لهجة جبل العرب ، ليس لأنه ابن المنطقة وإنما لمقدرته وثقافته التي مكنته من النطق بلهجات البيئات السورية أغلبها .
ومما يلفت الانتباه في الأعمال الكوميدية السورية أن أغلب الممثلين الذين لعبوا أدوارا كوميدية كنا نراهم في أعمال أخرى يلعبون أدوارا جادة بعيدة عن الكوميديا ، فالتخصص ليس موجودا تماما .
وأخيرا لقد كانت الكوميديا السورية أحد أهم أسباب ازدهار ونجاح وانتشار الدراما السورية ، وقد تنوعت بين الهزلية والتراجيدية والسوداء . وأحيانا الخلط بين كل ما ذكرناه . ومثلما نجد من تعجبه الكوميديا السورية نجد من استهجن في بعضها التكرار والحشو والمشاهد المقحمة .
Discussion about this post